خواطـر حزينه جدا
هل تفتقدني؟ أليس لديك قلب مثل قلوبنا؟ أليست تلك العينان الجميلتان في وجهك قادرة على البكاء كما تفعل أعيننا؟ أتأمل حالك وأتساءل كيف يمكن أن تكون ما زلت ثابتًا، بينما أنا أنهار كل يوم.
لم يبق لي في هذه الحياة سوى صندوق صغير يحتفظ برسائلك، صورك، وهداياك. صندوق مليء بذكريات جميلة، لكنه معبأ بحزن أكبر من الدنيا نفسها، حزن استطاع التكيف مع مساحة حياتي المحدودة وسكن فيها.
أدرك أنك تستمتع بوقتك الآن، ولا أود أن أثقل عليك بهذه الكلمات، لكنني أردت فقط أن تعلم. لن أنسى يومًا أنك كنت جزءًا مني، ولن أنسى أنك كنت دائمًا أجمل من كل الحزن الذي يحيط بي الآن.
أجد نفسي أصحو كل صباح مبكرًا كي أهيئ غرفتي لاستقبال هذا الحزن. أصبح اليوم صديقًا قريبًا، ضيفًا دائمًا يستحق مني الاحترام، ورفيقًا وفيًا في عالم أصبحت فيه وحيدًا بعد غيابكم.
لا أستوعب حتى اللحظة كيف وصلنا أنا وأنت إلى هذه المرحلة. كيف منحنا مساحة للحزن ليجتاحنا ويكون أقوى من الحب الذي جمعنا يومًا. الحزن الذي لم أقربه ولم أعرفه إلا حين صارت أيامنا مثقلة بالبعد والصمت.
أكثر ما أوجعني في غيابك تلك الصور التي أعجز عن التخلص منها برغم حِرْصي على ذلك. كلما نظرت إليها ورأيت ابتسامتك التي لطالما أحببت، يخطر ببالي أنك الآن تمنحها لشخص آخر، أو ربما أن أحدهم هو سبب تلك الابتسامة التي لم تعد لي.
اليوم أجد الحزن يزداد وطأةً، وكأنه قرر أن يقسو أكثر مما توقعت. أدرك الآن أن التخلص منه لن يكون سريعًا كما كنت أوهم نفسي. لذا، لمن يريد الاقتراب مني، عليه أن يتحمل معي ما أمر به، أو فليترك بيننا مسافات لا تنتهي.
لم أكن يومًا من اختار هذا الحزن، لكنه فُرِض عليّ فرضًا. أدري أن عليّ الانتظار حتى تذوب كتل الحزن مثل صخور تنهار في بحرٍ من دموعي، وأعلم أن مراقبة عقارب الساعة قد تمتد بي لسنوات حتى أتمكن من تجاوز هذا الكم من الألم.
أقول لنفسي أنني أستطيع العيش بعدك، أن أمضي في حياتي وأخطط لمستقبلي دون أن تغشى عيني دمعة. لن أدع الحزن ينسيني من أنا وما لدي من قوة وطموح وقدرة. قد يبدو حديثي هذا منطقيًا، وقد أدّعي ذلك طويلًا، لكن الحقيقة أنه حديث أقوله لأخدع نفسي قبل أن أجدني أضعف مما أُظهر.
شكرًا لك على كل لحظة مليئة بحزن نُقِش بسبَبك في داخلي. شكرًا على كل خطوة أو تصرف أو كلمة منك قادتني إلى هذه النقطة التي امتلأت بهذا الحزن الذي يوجعني من كل جوانبه.
من العجيب أن لحظة الفراق تكشف لنا حقائق مخفية، إذ نكتشف أن من كنا نغمره بالحب لم يكن يبادلنا سوى الكراهية، لكن أعيننا حينها كانت معصوبة بالعاطفة.
يمر بي الحزن كأنه أزمنة ممتدة بلا نهاية. في هذه الأيام، أشعر أنني أكبر عشرات السنين، وكأن شيخوختي سبقت أوانها بأمد بعيد.
من لم يذق طعم الفقد لمن كان يمثل الحياة بأكملها، لن يستوعب مطلقًا ما أمر به الآن. إن هذا الألم لا يعبر عنه الحديث، ولا تخففه الكلمات.
اللحظات تتعاقب ببطء رهيب. الساعات أثقل من أن تُعدّ، والدقائق تمر كما لو أنها دهر بأكمله. حزني صار عبئًا يفوق قدرة قلبي على الاحتمال، وكأنه يثقل كاهلي أكثر من كل المآسي التي حملتها الحياة.
ما يكفيني وجعًا هو إدراكي أن هذا العام كان هو الأقسى، ليس فقط لأنني فارقتك، بل لأنني رأيت فيه بوضوح كيف أحببتك بجنون يتخطى حدود المشاعر المعتدلة.
لطالما سخرت من أولئك الذين يتحدثون عن الحب من طرف واحد، حتى كنت أنا من وقع في ذات الشِرك. أدركت أنه أكثر الجروح إيلامًا وأشدها أثرًا على الروح.
وعلى الرغم من ذلك، لماذا نسترسل في الحديث عن أحزاننا؟ إلى من؟ لا أحد، مهما كانت تجربته قريبة منا، يستطيع أن يفهم تمامًا وجعنا الخاص. تعلمت من هذه الحياة أن كل حزن هو بصمة فردية تختلف كما تختلف بصمات البشر.
قررت أن أمضي حياتي من الآن فصاعدًا وأنا متمسكة بمبدأ بسيط: أستحق الفرح والسعادة، ومن يجلب لي الحزن سيفقد مكانه في حياتي بلا رجعة.
لا يتوقف أصدقائي عن ترديد تلك النصيحة المعتادة بأن الزمن قادر على مداواة أي جرح. ولكن بعد طول انتظار، بات واضحًا لي أن الوقت وحده لم يشفِ شيئًا؛ فالجرح لا يزال يؤلمني كما كان.
كل ظني كان في الماضي أنني لن أشعر قط بالندم طالما كنت بجوارك، ولكن اليوم أواجه حقيقة مؤسفة: لم أعد أغترف سوى الندم، ندم يعصف بي على كل لحظة سعادة خطفتها بقربك.
