خواطر تويتر طويله ’ خواطر قوية تويتر ’ خواطر جميلة وراقية تويتر

 

خواطر تويتر طويله



من أنا؟ سؤالٌ يتكرر ولا أجد له جوابًا. نسيتُ ما كان، وتجاهلت ما هو حاضر، وربما سأغضّ الطرف عن ما سأكونه يومًا. 


أصرخ بيني وبين ذاتي طالبًا النجدة ولا أجيب نداءها. سئمت كل زاوية من العتمة التي تسكنني، مللتُ انحناءات وجعي وصراخ أفكاري وكل ما ينطق به قلبي.


سأعيد للدنيا ما أخذته منها... وسأترك كل المكتسبات وراء ظهري وأبحث عن بداية جديدة، ملل جديد وشجن يختلف عن ذاك الذي عرفته. 


أعيش حالة من الإنكار على مختلف الأحوال وأرسم ابتسامة باهتة تصارع غبار الواقع الذي يغطي وجهي. بين أفكار متقطعة وأحاديث غريبة من العالم الخارجي، يتعالى داخلي صدى النظرات التي تحدق بي.


أكتبُ كلمات ثم أتراجع عنها. أخطّ بعض السطور وألقي بها بعيدًا عن الورق. ضائعٌ بين بقايا الحروف والمشاعر المتشابكة... طريق اليأس وسواد الأحزان يأسرني في دوامة لا تنتهي.


فنجان قهوة تصاغرت نكهته وسط طغيان مرارتي، انغمس مذاقه في تفلٍ داكن يختزن صلابة الطبع وعبق الذكريات. كياني طواه الضياع في غمرة تبخر حرارة الاشتياق.


لم أعد أتذكر من يسكن ذلك البيت. ذابت في طي النسيان عدد زياراتي المتكررة إلى الناصية المقابلة، ولا يعرف عقلي سبب احتمالي الطريق الذي يختنق بالعفن المجاور لذلك البيت. تسترجع ذاكرة بالية خيالات رأيتها خلف إحدى النوافذ، وأصداء موسيقى تخطّت الجدران يومًا ما، لكني فقدت من يسكن هناك، نسيت الأسباب، ونسيت نفسي عند عتبته القديمة. تلاشت رصانتي وسُلبت مني اتساق أفكاري خلف نوافذه، فيما بقيت أنا، مع وهم يتجول في المسارات بحثًا عن بيت جديد، عن نافذة تستقبل حياةً لم تدر بها الرياح الثقيلة. إنني ما زلت نفس الشخص الذي عشق الإطلالات البسيطة ولهث يومًا خلف ضوء شحيح يزيح ستارة كثيفة، ثم تضاءلت ذكرياتي وتاهت.


تغيرت، وضاعت طريق العودة مني. تبدلت معاني الكتابة وانطفأت بوصلة قلمي وكلماتي؛ لست هنا بحثًا عن الماضي ولا تسكنني آمال العودة. أعيش كهاجر من ذاتي وإلى ذاتي، أيامي تتنقل بين ظلمة متشابهة، وأحلامي تغرق في زيف السراب.


أضعت روابط الأحاسيس التي كانت تربطني بكل شيء، ونسيت حتى أسباب النفور. أهملت أصول المشاعر وتقاسمت كياني مع النسيان. هجرتني الكلمات، هجرتني دفاتري حين سقطت وجهتي للحاضر وفقدتُ إثر خطوات المكان.


ورغم كل ذلك، أنتظر. أنتظر قدومك بين البرد والجفاء الذي يقضم ما تبقى مني. ما زال وعدك يرافقني حين قلتِ: يكفي أن تشعر بالبرد لأجدك.


أخبرتك يومًا أنني أخشى اشتياقك، أن ذبولي حتمي دونك، وأن شتائي سيبدأ برحيلك. يومها كانت إجابتك ضحكة ترافقها شفقة حزينة.


وعند الناصية ذاتها، أسير الزمن بلا توقف. مع انتظار الصحوة وظهورك، أتفاوض مع ولاعة مهترئة لتشعل اقتصادي المتبقي من السيجارة الأخيرة، وأنتظر.


تحت قطرات المطر، أرتجف وأركض مسرعًا نحو الناصية، تاركًا خلفي خيوطًا من المياه التي تطاردني. أهزّ ثيابي فتتساقط منها قطيرات المطر العالقة، بينما يستمر جسدي بالارتعاش. أرفع بصري نحو السماء القاتمة، ومع كل لحظة ألمح غموضها، تعود إلى ذهني ذكرياتٌ بعيدة تجسّد الحاضر الغريب.


سأبقى هناك، على شاطئٍ مظلم هجره العشاق وملّ منه الصيادون. سأكون كقطعة زجاج مهملة، تتقاذفها الأمواج الغاضبة من حينٍ لآخر. وهناك، حيث ينتهي الشعاع الأخير من ضوء القمر وتتعانق الظلال، ستظل روحي محاصرة.


ربما أهجر هذا الشاطئ يومًا وأمتطي موجةً تغسلني من بقايا حياتي. ربما تشرق الشمس فأذوب معها كذوبان الزجاج المنافق الذي يدّعي الشفافية، بينما يخفي بين طياته أسرار حياته وكل ما لا يجرؤ على البوح به. وتلك الأوراق التي دفنتها ونسيت مكانها قد تحكي عنّي ذات يوم بطريقة مختلفة.


هناك، عند خاتمة ضوء القمر، ستكون النهاية. إنها محطتي الأخيرة، حيث أرتّب ما تبقّى مني وأقفله داخل حقيبة ذكرياتي. ثم أستعدّ للرحيل بكل ما أنا عليه، أو بالأحرى بكل ما كنت عليه.


إرسال تعليق

Please Select Embedded Mode To Show The Comment System.*

أحدث أقدم

نموذج الاتصال