خواطر جميلة وراقية تويتر ’ همسات خواطر تويتر ’ خواطر قــويه

خواطر جميلة وراقية تويتر




إن الوقت سيمضي وأنا عالق بين مراوغات نفسي ومظاهر زيفها. لكنني أدرك أن لحظة التفتت قريبة، عندما يأتي ذاك الحجر المسنّن ليكسرني بمنتهى السخرية. سيضحك عاليًا بينما يشير نحوي نافخًا صدره انتصارًا. حينها سيُحطّم ما تبقّى من وجودي الزجاجي المكسور أصلًا. وربما تصبح أوراقي بين يدي شخص آخر، يقلب صفحاتي ويضمها إليه وكأنها ملكه.


أنتظر شروق الشمس على أمل أن يحمل معه سلامًا من نوعٍ ما. لكن السكون الذي يرافق الليل، والأمواج التي تتظاهر بالوفاء للشمس خوفًا منها، يستمرّان بمراوغتهما ليزيدان ثقلي عند حافة نور القمر.


لقد أصابني حقًا إفلاس المشاعر والأفكار. فكرتي الأخيرة هي أن يتحول كياني إلى حجر، بل إلى جماد مأساوي يحاول الصراخ بلا جدوى. جماد عاجز يبحث عبثًا عن انتماء يزيد وحدته كلما طرق أبوابه.


أنا حجر. أنا صخر. أنا رمال تتناثر بفعل الرياح، تجوب الأماكن وتلتصق بكل ما تصادفه باحثة عن هوية مفقودة. لقد فقدتُ انتمائي بينما كنت أسعى خلف أفكاري الضائعة. خرجت من نفسي ثم تهت ولم أعد أجد طريق العودة إليها. صرخاتي باتت كالغبار، كلمات مبعثرة، تسكن صفحات فارغة وتختبئ في أقلام صامتة. أنا الرمال التي تملأ الفراغات، والكتابة التي تنبعث كصدى من اللاشيء لتخاطب الريح فقط.


قلت لك إن المطر يخيفني ويقتل دفء قلبي، أنني سأفتقدك ولن أجدك مجددًا. ولم يكن ردك سوى ابتسامة تموجت بشيء من اللامبالاة.


اليوم تهب الرياح وينهمر المطر بغزارة. عند الناصية، أرتجف وأضم يدي بحثًا عن بعض دفء عابر، أسحب سيجارةً مبللة وأمسح قطرات المطر عن شفاهي قبل أن أضعها في منتصف الطريق بين داخلي والخواء الذي يحيط بي.


تتوارى مشاعري في زوايا المكان، تذبل تدريجياً وتتلاشى مع الغبار، تتناثر في أرجاء الفراغ وتنساب في دوامة أفكاري المتعبة. أثقلها القلق وحاصرتها العتمة في هدوئها، حتى باتت واهنةً تتحدى بصمتها اليأس الذي يحيطها.


لم أعد أستطيع تمييز الأفكار التي مرت بي؛ أيها كان ملكي، وأيها استعرته من خيال الآخرين. ابتعدت همساتي عنّي، تشتّت بين الكلمات وبين الصمت والصراخ. فُقد النطق في أعماقي، وانغمستُ بشدة في نثر أفكاري، حتى بلغت الإفلاس داخلياً.


لم أعلم يوماً أن لدي جانباً مظلماً كالذي أصفه في كتاباتي بين الحين والآخر. ولم أعرف أن بداخلي حزناً جارفا كأنه كامن في أعماقي مترقباً اللحظة المناسبة ليظهر. لم أدرك أن تلاعبي بالكلمات سيحولني إلى نجم، وإن كان نجماً بسيطاً في عيون الغير.


أعجز عن تفسير هذا الحزن الذي يحاصرني. أمتلك كل ما يجعلني سعيداً ظاهرياً، ولكن رغم ذلك، أشعر بشيء غريب يكمن داخلي. وحين أجلس مع نفسي وحيداً، ينتابني الحزن مجدداً. الأمر الغريب، بل المضحك، أنني أحب الوحدة. تلك الوحدة التي تساعدني على اكتشاف ذاتي كل مساء من جديد.


أكتب ليس لأنني أحب الكتابة فحسب، بل لأنني بحاجةٍ إليها. أكتب لأعيد ترتيب أفكاري على الورق. منذ البداية وأنا أبحث بين السطور عن زوايا خفية في نفسي لم أكن واعياً بوجودها.


أعتبر نفسي نجمًا، ولكن بطريقة تخصني. لست بالمعنى التقليدي للكلمة كما قد يعتبره الآخرون. أنا نجمٌ لأنني استطعت كتابة الكثير من مشاعرٍ مختبئة وخبثٍ بسيط دون أن يعاقبني أحد. نفاقي كلمات صادقة تنبع من أعماقي، أسرار قلبي التي أتقن بها إخفاء حزني خلف بسمةٍ تخفي هشاشتي كل صباح.


لم أعلم يوماً أن الجانب المظلم بداخلي هو مادة كتابتي الأساسية. لم أعلم أنّ حزناً مريعاً يقطن في أعماقي بانتظار لحظة اعتراف أو بوح خافق. ولم أعلم أن حبّي للتلاعب بالكلمات سيصقلني ويضع بين يدي طريقاً نحو النجومية البسيطة.


أقضي نهاري موزعاً الابتسامات كأغانٍ عابرة على وجوه من أصادفهم. الجميع يحييني بابتسامات حافظتعلى لغزها، ابتسامات تقابلتها وكأنني أحتفظ بعملة مزيفة على أمل استخدامها يوماً ما.


حين يحين الليل وأجد نفسي في سريري، أحاول أن أجمع فتات أفكاري المتناثرة. تستنفد يومياتي طاقاتي الذهنية تاركة أفكاري خربة تحتاج جهداً لاستعادتها ورسم ملامحها من جديد.


أرتمي في النوم متعباً وأحاول جاهداً فهم ما رأيت من أحلام، لكن ذاكرتي تأبى الاحتفاظ بتفاصيلها. حديثي عن الأحلام مؤجل إلى حين.


أغادر سريري تاركاً على وسادتي خطط حياتي المتقلبة، وأملي المتردد، وحتى أوهامي البسيطة. أبدأ نهاري من جديد، نفس الشخص الذي كان ذات يوم قبل نومه: أنا المنافق الباسم، الحزين الصامت، والغاضب المتأرجح بين أطياف شعورٍ عكر، يصمم على مرافقتي يوماً آخر كأنه قدر لا مهرب منه.

 

إرسال تعليق

Please Select Embedded Mode To Show The Comment System.*

أحدث أقدم

نموذج الاتصال